|
استراحة محارب
![]() استراحة محارب
من يمتهنُ الحُزنَ لن يجدي معهُ الأمل..
ماذا لو نظرنا الى الحياة على أنها ملعبٌ ونحنُ اللاعبون، نعطي الحزنَ بطاقةً حمراءَ نطردهُ من الملعب إلى غيرِ رجعة.
هكذا فعلتُ أثناء دخولي إلى جهاز التصوير النووي، عندما كانت الأصوات الغريبة مرمى هواجسي، أترنّحُ في مُخيّلتي، أضحكُ حيناً، ويأمرني الطبيب من بعيد بعدم الحراك، قررتُ أن آخذ غفوةً لحينِ انتهاء التصوير، اشتدّ بي الضحك، ثمة عينان جميلتان تطلان عليّ، تبتسمان، وثمة رائحة لذيذة تحيطُ بي، كأنها تعاويذ تنجيني من الانتظار المقيت، كم الحياةُ قصيرة، أقول في قلبي، وتهدرُ في مخيلتي ذكريات كأنها قطار يعبرُ بي كل الأماكن والطرقات التي مررتُ بها والتي اشتهيت ان أمر بها ولم تسنح لي الفرصة لذلك.
أسمعُ هُتافاً، وضجيجاً، واحتفالات، أسمعُ لهاثاً حفيفاً، أفتحُ عينيّ، لا بدّ أنني واهمة، أقول، وأعرفُ ذلك، لكنّ الأصوات التي تعبرُني تنجيني من ثقلٍ يربض على قلبي ولايكادُ ينتهي.
أتدفأ برجفةٍ منيّ وفيّ، لم أعد أميزّ هل أرتجف في الحقيقة أم في المخيلة، أقف وسط الملعب، أوزع البطاقات الحمراء، أطرد اللاعبين السلبيين في حياتي، أصغي لجلبةٍ بينَ الجمهور، ربما يعترضون على ما قمت به من طرد، وربما يريدونَ طردي ايضا، لكني ماهرة في التصدي والركض واللهاث والتعب،.
بعدَ أن فرغَ كاهلي من ضجيج اللاعبين والجمهور، أستلقي على العشب الأخضر، أفرد ذراعي أستقبلُ النسمات الرطبة، أغمضُ مرةً أخرى، أحملُ سيفاً ضخماً، وحذاءً غريباً في قدميّ، أجدُني في حلبةٍ للقتال، من هو خصمي يا ترى؟ أسأل، ويجيبني من بعيد صوتٌ رخيم وطازجٌ، كأنني للحظات صرتُ ريشةً تتطاير في الهواء، وخصمي ملتصق في الحلبة يبحث عن امرأة على شكل ريشة ليقطعها ارباً، أعبرُ أكمام الريحِ وأهربُ بعيداً، بعيداً..
ينقرني الطبيب بأصابعه، قائلاً لي..هل نمتِ جيداً؟
أجيبهُ بينما أنفضُ عني هواجسي وتهيُّآتي: لم تكن غفوة، لكنها استراحة محارب.
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط ،
ويحتفظ موقع 'ألوان للثقافة والفنون' بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أو خروجا عن الموضوع المطروح ، علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
اختر هنا لادخال التعليق |