أسطورة الطّنف الوهراني , نفقُ الميناء ,
تحية سيدي البحري الخالدة..
خيرة بلقصير
اعتاد السائق الاسباني مروره الاعتيادي بحفافي جبل المرجاجو المهيب , الطريق الحذر , المأهول بالخوف والغموض والانزلاق كان في بداياته الصعبة وتشييده كفكرة في رأس الغول , طريق ممشوق شٌّق بشقّ عتاد وأنفس , ما الذي كانَ يُريده بُناةُ هذا الطريق الذي يُشبه حُجَّة البحر في عدم انقضاضِه على الجَبل القَار بهُدوء الرَّاهب الذي يقودك إلى يابسة مُرتفعة خُلقت لتكون سيِّدة البدايات والنِّهايات مدينة جَسُورة جسَارة أسُودها القديمة, ربَّما كان يشّق عِتابا في الجمَال المتوحش المُنطرح على مدٍّ من المُتوسط يُريد حتما أن يقودك إلى بوابة في السَّماء,, السائق الاسباني ظل يُطلق صوت بُوق سيارته لينتبهَ له الصيَّادون الذّين أسفل الجُرف الطويل وعلى بُعد من الطريق فالق وِجنة البَحر ,, إنهم يستأنسون بوقه ويمدّهم بالثّقة ليلتحقُوا بالركب رغبة في إيصالهم لشحّ المواصلات آن إذن..
مرّت سنوات وصوت البُوق الذي كان مُفردا كمزمار دَاوود تطوَّر ليصبح عادة الوهرانيين وحتى الوافدين إليها كلّما مرُّوا بنفق المِيناء أطلقت أصوات الأبواق بكثافة واختلط بالصّفير وكأنه موكب في القيامة على بعد فَرسخ من الأسطورة التي خلَّدت هته العادة في وعي الوهرانيين, كنتُ صغيرة وهيبة النَّفق تسكنُني وبقيتُ عُمرا ونِيفا لا أفهم هذا السُّلوك الجماعي الذي يغمرُ النَّفق في كلّ الأوقات وتزيد قُدسية المزامير الصَّادحة وجَلاً في النَّفس بالأخَص ليلا والنَّفق جاحظ بأضوائه المختلطة بشيء من حَنجرة البَحر في همهمته وهسيسه..ومن الأسئلة التي تسكن وهران. .غير أن للأسطورة حِكاية أخرى قد تكون الأقرب إلى التصديق حيث يُحكى أن موكب عروس تعرض لحادث مميت في النَّفق الذّي أودى بحياة العروسة وظلَّ الأهالي ليوم كامل يدقُّون الطبول في النَّفق ,,حداد وحزن عَميق لَازم هذا الطَّقس عامَّة من يمرُون به وكأن قشعريرة تلمسهم وتثير فيهم غريزة متوارثة ليصبح دوي الأبواق العالية صادحة فيها مجلجلة بالبقاء لا الفناء,
وانتصارا على الشّر بتحية مختلفة اختلاف المدينة في أهازيجها وعمقها ...
انه هُتاف الأرواح الذي يُحلّق بالتّجربة في عنفوانها على صعيد الفقْد المغمُوس في فِطرة الإنسان الوهراني المُعقّد في تكوينه الفسيفسائي العتيق والمختلف في استيعابه للأشياء والتعبير عنها إنه بمحض عفوية منّمقة بالجراح ,سلوكا تحذيريا أو رضوخا مُمَوْسقا أمام الأقدار التي تشبه النفخ في الصور في نفق العقل.