|
جميلة سلامة (تنوّعٌ في المواضيع وغزارةٌ في الإنتاج)
د. سلطان الخضور
![]() تعتبر الشاعرة جميلة سلامة من الشواعر العربيات اللواتي لا تسلط عليهن
الأضواء, وشاعرتنا معرض البحث شاعرة قديرة قد تفوق فيما يصدر عنها من أنتاج من حيث الكم والنوع والالتزام من يعتبرن رائدات ثقافيات في المجتمع المحلي والعربي بشكل عام. وأجدها بعد دراسة منتجها تستحق أن يسلط عليها الضوء كشاعرة غزيرة الانتاج تتناول في انتاجها مواضيع متنوعة, وتلتزم في قصائدها جمال المعنى وعمقه وتفعيلة عروضية محددة على الأقل فيما كان لي أن أطلع عليه من قصائد. هذه القصائد التي تبدو واقفة بثبات وثقة وجدية, بعيداَ عن المفردات المبتذلة, وبعيداَ عن العوم في بحر اللاجدوى.
ويحسب لجميلة سلامه نشاطها الثقافي المتواصل والمتنوع ما بين الشعر والنثر, فهي عضو في العديد من المنتدبات الثقافية ورئيس تحرير لمجلة ألوان للثقافة والفنون.
ولدراسة ما تنتجه الشاعرة جميلة سلامة وحتى يكون العمل ممنهجاً, اخترنا أن تكون القصائد التي أصدرتها في شهر نيسان الماضي كشواهد على غزارة الإنتاج والتنوع والالتزام العروضي, فقمنا بإحصائها, فوجدناها كما هم غيرها من الشعراء تتناول مواضيع عديدة تهم المجتمع فقد أصدرت الشاعرة جميلة سلامة خلال الشهر المذكور ما زاد عن العشر قصائد, وقياساً عليه تستطيع ان تنتج ما لا يقل عن مئة قصيدة في السنة.
وأحسبها فيما أوردته من قصائد تركز على الفكرة, فإن اوصلتها, اكتفت فتوقفت ولو احتاج الأمر لأبيات معدودات كما هو في قصيدة كتبتها بمناسبة "يوم الأسير", لم تتجاوز في عددها الثلاثة أبيات والتي تحاول فيها أن ترفع من معنويات الأسير وتوصل فكرة أن الأسير قد يكون حراً ولو كان خلف القضبان وأن الأسر هو أسر الفكر وأن السكوت بحد ذاته هو أسر وإن كان الساكت بعيداً عن القضبان, فقد أوصلت هذه الفكرة دون الحاجة للإطالة أو التكرار.
تقول جميلة
حراَ ستبقى رغم قيد المعتدي / رغم الظلام وقسوة السجان
لا تنحني روح تحلق في العلا / فالسجن في الأفكار والوجدان
نحن الأسارى قيد ذل سكوتنا / ولأنت حر الروح في القضبان
ومن القصائد ما يساق في المستوى العادي المألوف, ما بين العشرة إلى الاثنتي عشر بيتاً, كما في قصيدة " أعيديني" فهي تبدو هنا حائرة تفكر في هذا الزمان الذي لم يعد عادياً, بل حائر ومحير قد يفقد أحدنا ذاكرته كما تقول لما يواجه من تقلبات هذا الزمان, والتي تظهر فيها أيضاً عاطفة الحنين إلى الماضي الذي لم يعد كما كان, والذي تغيرت فيه ملامحنا, وبات مليئاً بالفوضى التي كان لها أثر حتى على لغتنا, فهي بهذه القصيدة تحاول أن تطل من نافذتها على ملامح للأمل القادم, إلا أن هذه الملامح تفر هاربة, فهي كالسراب كلما اقتربت منه ابتعد وتلاشى.
أعيديني لبدء البدء
ذاكرتي
لدهشة موسم يزهو
بأغنيتي
لضحكة عالم يصحو
بلا ألم
ولا ينداح مرعوبا
بلا جهة
أعديني إلى وجهي
الذي أمسى
بغير ملامحي ،،بل صار/
أحجيتي
طلاسم عمري المخذول/
تكتبني
وتملأ خانة الأحزان/
في لغتي
وتومض شاردات البرق/
صارخة
بألف تساؤل ينمو
على شفتي
أعيدي لهفة الأطفال
بي عطش
لأسقي من نمير الضوء
نافذتي
تناءت عن يدي الأحلام
هاربة
وبت أخط من فوضاي
خارطتي
أسطر نجمة في القلب
أسكنها
وأملأ باصطياد الوهم
أزمنتي
أتمم باقتطاف التوق
من وجعي
خوابي الجرح كي أروي
مخيلتي
وأعكس لهفة الإنسان/
للمفقود
في زمن بلا ذكرى
وأمنيتي
ألملم من نثار البعد
أجوبة
وأملأ من يقين الروح
أوردتي
أما من حيث المواضيع فقد تنوعت ما بين الشوق للماضي والحيرة من الحاضر, والتحسر على ما حل بالشعر العربي من تيه يصل لدرجة الإفلاس الأدبي والذي شبهته بالخراب , وكذلك التغزل في ربيع نيسان, وعلم الاجتماع الذي يتحدث عن تحولات البشر وطبائعهم وغيرها من المعاني الوطنية والقومية والدينية.
أما على الصعيد الفني فقد التزمت جميلة سلامة بالبحر والتفعيلة والقافية بغض النظر عن رأينا الشخصي بهذا الموضوع, وعلى قلة الشعراء الذين يلتزمون بذلك, ونستطيع في هذا المجال بالإضافة لما أوردنا من أمثلة سوق هذه القصيدة التي عنونتها ب "حتى متى؟" كمثال على التزامها الشعري, حيث جاءت القصيدة على البحر البسيط .
والتزمت تفعيلة البسيط "مستفعلن فعلن مستفعلن فعلن" - - ب - ب ب -
- - ب – ب ب - .
أما القافية فقد التزمت الشاعرة بالقاف المتحركة بالضم
حتى متى وهشيم القلب يحترق؟ / كل الجراحات من جنبيه تنفتق
لا تسألوني عن الأيام ما فعلتْ / ولا عن الشعر إمّا زال يندفق
ما عدت أهتمّ بالمعنى وطلسمه / فقد عرفتُ حروفي كيف تنبثق
نمضي وتتبعنا أحلامنا عبثاً / أين الفكاك وهذا الفقد ملتصق؟
ماذا تبقى؟ أجبني دُلّ أوردتي / على براح به الأشواق تنعتق
كل المسافات لا تدنيك من كبدي / فكيف يسلوك هذا الخافق النزقُ؟
وقي الختام نرجو أن نكون قد أوفينا هذه الشاعرة جزءاً مما تستحق.
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط ،
ويحتفظ موقع 'ألوان للثقافة والفنون' بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أو خروجا عن الموضوع المطروح ، علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
اختر هنا لادخال التعليق |